أصبح مرض جدري القرود محط اهتمام عالمي في الآونة الأخيرة بعد تسجيل زيادة ملحوظة في عدد الحالات بشكل غير اعتيادي، ويعتبر هذا المرض فيروسي نادر لكنه يثير القلق بسبب اعراضه المزعجة وقدرته على الإنتشار بين البشر، تم تصنيفه من قبل منظمة الصحة العالمية حالة طوارئ صحية عامة وأصبحت المعرفة بآليات انتقال وطرق الوقاية منه ضرورية، في ذلك المقال نستعرض كل ما تحتاج معرفته عن المرض بدءًا من أسبابه وأعراضه وصولاً إلى الإجراءات الوقائية التي تحمي منه.
ما هو مرض جدري القرود؟
يعد جدار القرود عدوى فيروسية تنتمي إلى عائلة الفيروسات الجدرية والتي تشمل أيضًا الجدري البشري وقد اكتشف لأول مرة عام 1958 بين قرود المختبرات ومن هنا جاءت تسميته، ولكن المضيفة الرئيسي للفيروس هو القوارض البرية في أفريقيا فقد ينتقل الفيروس إلى البشر عند التلامس المباشر مع الحيوانات المصابة أو سوائلها الجسدية، ويتميز المرض بظهور طفح جلدي يشبه البثور يصاحبه حمى وتضخم العقد اللمفاوية وعلى الرغم من تشابه مع جدري العادي إلا أن أعراضه أخف ومعدل الوفيات فيه أقل.
أسباب انتقال العدوى وطرق انتشارها
ينتقل فيروس جدري القرود عبر ثلاث مسارات رئيسية وهي:
- الأول من الحيوانات إلى الإنسان عن طريق العض أو الخدوش أو تناول لحوم حيوانات مصابة غير مطهوة جيدًا.
- الثاني هو الإنتقال بين البشر عبر الرذاذ التنفسي أو التلامس أو ملامسة سوائل الجسم أو الآفات الجلدية للمصاب.
- أما الثالث فهو عبر الأسطح الملوثة بالفيروس مثل الملابس أو الفراش.
- الفيروس لا ينتشر بسهولة مثل فيروس كورونا، ولكن الاتصال الوثيق مع المصابين يزيد خطر العدوى خاصةً في المنازل أو المراكز الصحية.
الأعراض والمراحل السريرية للمرض
تظهر أعراض جدري القرود بعد فترة حضانة تتراوح ما بين خمس أيام وحتى 21 يوم، وتنقسم إلى مرحلتين المرحلة الأولى تبدأ بحمى وصداع وتضخم العقد اللمفاوية وهو عرض يميزه عن الجدري العادي، ثم تتحول إلى مرحلة الطفح الجلد الذي يمر بمراحل متعددة منها البقع إلى الصورة المليئة بالسوائل والتي تنتشر لاحقا، ويستمر المرض من أسبوعين إلى أربع أسابيع وقد تترك الندوب مكان بالجسم، وتختلف شدة أعراضه على حسب حالة المناعة للفرد إذا يكون كبار السن والأطفال أكثر عرضة للمضاعفات.
تشخيص المرض والعلاجات المتاحة
يتم الأعتماد على التشخيص السريري للطفح الجلدي مع التأكيد النتائج عبر تحاليل تستخدم للحالات الشديدة يوجد علاجات خاصة لجدر القرود، ولكن الأدوية المضادة للفيروسات للوقاية تصل فاعليتها إلى 85% كما يوصى باستخدام اللقاحات المتطورة ضد الجدري البشري والذي اعتمدت عليها منظمات الصحة العالمية بعزل المصابين حتى أختفاء الأعراض ويتم تقديم الرعاية الصحية الداعمة لهم مثل ترطيب الجلد وتخفيف الحمى.
إجراءات الوقاية من العدوى
يمكن الوقاية من جدري القرود بالاعتماد على تجنب ملامسة الحيوانات البرية في المناطق الموبوءة وطهي اللحوم بشكل جيد، أما بالنسبة للانتقال البشري فيجب تجنب الاتصال الوثيق مع المصابين واستخدام الكمامات في الأماكن المغلقة وغسل اليدين جيدًا وبشكل منتظم وتوصي منظمة الصحة العالمية بتطعيم الفئات الأكثر عرضة للعدوى مثل العاملين في القطاع الصحي، كما ينصح وتعقيم الأسطح المشتبه بتلوثها وعدم مشاركة الأدوات الشخصية مع الآخرين.
خرافات شائعة وحقائق علمية
من الخرافات الشائعة المنتشرة عن جدري القرود هو أنه ينتشر فقط عبر المثليين، ولكن الحقيقة أن الفيروس ينتقل عبر أي اتصال وثيق بغض النظر عن التوجه الجنسي، وتشير بعض الخرافات إلى أن المرض قاتل بشكل فوري بينما تقل نسبة الوفيات بشكل كبير مع الرعاية الصحية المناسبة، وكذلك يعتقد البعض أن اللقاحات القديمة مثل لقاحات الجدري العادي غير فعالة، ولكن الدراسات أكدت أنها تقلل من شدة الأعراض وتكمن خطورة المرض الحقيقية في تجاهل الأعراض وعدم عزل المصابين.
الجهود العالمية لمكافحة المرض
أطلقت منظمة الصحة العالمية استراتيجيات لاحتواء تفشي جدري القرود تشمل تعزيز المراقبة الوبائية وتوزيع لقاحات على البلدان محدودة الموارد وحملات التوعية بشكل كبير لمعرفة مخاطر الأتصال بالحيوانات البرية، كما تعمل الحكومة على توفير الأدوية مضادة للفيروسات وتدريب الكوادر الطبية على تشخيص الحالات بسرعة، وتعد تلك الجهود مشجعة ولكن التحدي الأكبر يكمن في القضاء على الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالمرض والتي تعيق الإبلاغ عن الحالات.
تاريخ المرض وأبرز التفشيات
رصد العلماء جدري القرود لأول مرة في الكونغو الديمقراطية عام 1970 وظل لسنوات مقتصرًا على غرب ووسط أفريقيا حتى عام 2003 تم تسجيل أول حالة في الولايات المتحدة بسبب استيراد حيوانات أليفة مصابة، ولكن التفشي الكبير كان في عام 2022 حيث انتشر الفيروس في أكثر من 100 دولة معظمها كانت خارج القارة الإفريقية مما دفع منظمة الصحة العالمية إعلان حالة الطوارئ، وتعتبر تلك الزيادة بسبب إنخفاض المناعة المجتمعية ضد الفيروسات الجدارية بعد إيقاف التطعيم الإلزامي للجدري عام 1980.
الخاتمة
يشكل جدري القرود تحديًا صحيًا تتطلب وعيًا فرديًا واجتماعيًا للحد من انتشاره، ومع أن خطورته أقل من أمراض أخرى إلا أن إهمال إجراءات الوقاية قد يؤدي إلى تفاقم الأدوية، وتكمن أهم خطوات المواجهة في التعرف المبكر على الأعراض وعزل المصابين والتطعيم عند الضرورة بإتباع التوصيات الصحية والاعتماد على مصادر موثوقة للمعلومات يمكن احتواء هذا المرض وحماية انفسنا ومجتمعنا.
مصادر المعلومات: منظمات الصحة العالمية، ومركز مكافحة الأمراض والوقاية منها.